إصغاء

- نص في ألسيرة _

عبد ألحميد ألصائح

 

في إتصالٍ هاتفي

{شلونك..بعدك موجود!. عرفتني؟}

يشتعلُ ألمكان

يشتعلُ ألزمانْ

ألتقاويمُ وهيَ تلتفتُ إلى ألوراء

ألصوت وهويعلكُ السنواتْ

صوتٌ من ليلٍ ونهار،ألأمل وألملل،ألغناء وألخوف

ألنوم وألسفر، ألبلاد وسواها، ألأسئلة وألأسئلة

صوتٌ يستلبُ ألدم،يُربكُ ألذاكرة.هل ألأذن ممرٌ إلى ألذاكرة؟

أينَ يعثرُ ألمسافُر على ألذاكرة وهوَ يفتّش في ألدم؟ألدم وألذاكرة!

ألبكاء. إحساس بما مضى أم بما سيأتي؟

صوتٌ من ألليل. من ألسنواتِ وهيَ حطب، من ألمعلوماتِ وهيَ نار

من ألأسئلةِ وهيَ حرائق. من ألناس وهم يركضون

يركضون لأنّ ألأرضَ تدور

يركضون هرباً (من)عصيرِألعقلِ ألندم وألرغبات ألمستحيلةْ

يركضون(إلى)عصيرِوالندمِ والرغباتِ المستحيلةْ

صوتٌ..كيفَ يجيءُ الصوتُ بلاجسدٍ بلارائحةْ

عابراً الأيونات والبواخَر والجدرانَ والبخارَ والطقسْ

الموانيءَ والحدودَ ومفارزَ التفتيشِ والعيونَ الموظفةْ؟

يشبه ألصوت

هل للصوت عاطفةْ؟

* * *

هكذا أُغمِضُ على نفسي وأُوَرّطُ التاويلَ بالذاكرةْ

اتعلم النسيانَ وابجديةَ الموتِ والحبِّ والخلودْ

أرسمُ صورةً للصوتْ،

وليسَ للصوتِ رائحةْ.. رائحةُ الزيتِ على اللوحةْ

أُصغي مثلَ طفلٍ يؤنّب إلى الصوتْ

وأنا أفتش عن الإجابةِ بينَ الأنقاض

بينَ الأيامِ والملابسِ والأحداثِ والمدنِ التي تغيّرتْ

أفتشُ عن الإجابةِ وأناأسحلُ طفولتي وأعضُّ ذاكرتي بأسناني

أستعينُ بأَجدادي ألذين لم أرهم ولمْ اتعّرفْ الى اسمائِهم

ولولا مفردةُ (جد) لكانَ عسيراً،مستحيلاً حتّى الإيماءُ اليهم

أستعينُ بالوقتِ وهوَ يمضي بلاعودة

أستعينُ بالغاباتْ، بالنوافذِ المغلقةْ، بالحَيَوانِ لأتأكّدَ من نفسي.

الحيواناتُ لاتكذِبْ.. لماذا لاتكذبُ الحيوانات؟

لأّنها لاتكتب.. لانها لاترتدي ثيابًا

لاتحلق ذقونها.. لانها لاتشعر بالوقت.

أستعينُ بالمراكبِ المحَطّمةِ قبلَ أنْ تَصِلْ

والقواربِ التي غرقتْ باللاجئينَ منَ ألموتِ الى الموتْ

بأيّاٍم تتمدَدُ كالأفاعي، تزحفُ على وترِ القلبْ, لتنفثَ موسيقى سامة.

وجراحٍ تلتئمُ من أليأس.. أستعينُ بكِ جمرةً تحتَ ذاكرتي،

حنجرةً معلبةً تُعينُ البَحّاَرةَ على طلبِ النجاةْ

أتقّلبُ بينَ صيفٍ وصيفْ

بينَ صُوَرٍ لي ولستُ أنا

هكذا أفّتشُ عنِ الإجابةْ..لا ألإجابةِ التّي تبغينْ

افّتشُ عنْ سؤالٍ يحتوي صوتَكْ

يسري في تيّارٍ لايحتفظُ بالموسيقى

يأتي عبرَ دنيا ممغنطةٍ، ومسافاتٍ بلا أمتعةٍ ولاتوقفْ

كأنّ للسماءِ أعصابًا وصوتُكِ مشرطٌ يلعبُ مايَشاء

وكأنّ كلَّ فعلٍ مبادرةٌ للنسيانْ

كتابةُ الوقتِ وهَو يغادرُنا الى مالانهاية-كما اسلفت-

الليالي وهي تاركة الأحداثَ أوهاماً

رائحةَ المكانْ،إرتجافَ ألقلب،إلتهابَ ألعصب،ألألوانَ أحلاماً

ليأخذ ألزمانُ حصّتهُ إذنْ ويتركُ للماء دورته وهوَ يعيدُ رسائلَنا إلينا

لنقرأَ أنباءَ أُناسٍ كنّاهم

نتلمّسُ حروفَنا ألمبلّلةَ ووجوهَنا ألممسوحةَ كالعجلات

لتشتعلَ ألسنتُنا كالشموعِ وسطَ ألصمتِ وألظلام

هكذا يعبرُألكلامُ إلى ألضفةِ ألأخرى. يركضُ باتجاه ألقلب

ينفخ ألقلبَ حتّى يطير، تتبعُه وجوهٌ مفكّكة

وذكرياتٌ مبتكرةٌ وآراء وأحتمالات وأجوبة

كيف أُصغي إذن وأنا وحدي هارباً ممّا إكتسبتْ

وذلكَ أليوم ألمكرّر..يصل ألصوتَ ملطّخاً بترابِ بدلتيَ ألقديمة

وعرقِ جسدي الذي تعتّقَ منذ عشرينَ عاماً، وأسناي أللاّمعة حينها

ودمي ألمعقّم ونظري ألذي يثقب ألجدار

وقسوة أبي ورائحة أمّي وأحلامي ألتي تناثرت في ألطريق أفتحُ أُذني

لأُصغي فهل ـ قبل أن أجيبَ ـ أصلْ

تموز 1997

 

اغلاق الصفحة